خاضت صحيفة "The Athletic" الإلكترونية الأمريكية مغامرة جديدة في الأحياء المصرية بداية من قرية "نجريج" حتى الوصول إلى القاهرة من أجل معايشة معاناة محمد صلاح أثناء صغره والحديث مع المواطنين المصريين وبعض الخبراء الرياضيين عن مهاجم الفريق الأول لكرة القدم بنادي ليفربول.

وإليكم نص التقرير الذي نشرته الصحيفة

بداية الرحلة

بدأت رحلة فريق العمل بالصحيفة في "نجريج"، حيث استقلوا إحدى الحافلات من أجل السفر إلى القاهرة، مثلما كان يفعل محمد صلاح عندما التحق بفريق المقاولون العرب ويسافر له يوميًا في بدايات مسيرته الكروية قبل بزوغ نجمه والاحتراف في أوروبا بداية من بازل، تشيلسي، فيورنيتنا، روما وأخيرًا ليفربول.

حاول فريق العمل معرفة طريق السفر إلى القاهرة من خلال سيدة منتقبة تحمل وعاءً كبيرًا فوق رأسها مملوء بملابس للتنظيف، وهم ينتظرون حافلة تقلهم من خلال طريق ضيق يكفي لاستيعاب وسائل المواصلات الصغيرة.

وصفت الصحيفة السيدة بأنها كانت تزين يديها بأوشام الحنة، وكانت تتحدث بهدوء بلهجة عامية غامضة بعض الشيء بالنسبة لهم، وعندما سألها أحد فريق العمل عن الوصول للقاهرة، حذرتهم بأن المسافة طويلة للغاية وقال: "لا يفكر الكثير من الناس بهذه الطريقة إلا إذا كنت محمد صلاح بالطبع".

اقرأ أيضًا.. الصحف البريطانية تتغنى بمحمد صلاح بعد الفوز على مانشستر يونايتد

جميع من تواجدوا في قرية "نجريج" يعرفون جيدًا ماذا فعل محمد صلاح عندما كان طفلًا، لقد أصبحت القصة أسطورية، وهذا ما أكده لهم أحد الصحفيين بالقاهرة بعد ذلك، أن مهاجم ليفربول كان يستقبل 5 أو 6 حافلات من أجل الوصول إلى القاهرة، أي ما يقرب لـ 15 ساعة سفر ذهابًا وعودة يوميًا.

في "نجريج"، كلما ازدادت شهرة محمد صلاح هناك أشخاص يحاولون الاستفادة من قصته الملهمة، من خلال تعاملاتهم اليومية ويتفاخرون بأنهم من نفس القرية التي ولد فيها اللاعب الأكثر شهرة في قارة إفريقيا بالوقت الحالي.

ومع ذلك، عندما يعود محمد صلاح إلى مسقط رأسه في بعض المناسبات، تخرج الأمور عن السيطرة وهذا ما حدث من قبل وكان من المستحيل عليه أن يستمتع بأوقاته في قريته وفشل في أداء صلاة العيد بالصيف الماضي بسبب الحشود التي جاءت من كل مكان في مصر إلى "نجريج" لمجرد رؤيته.

ماهر شتية عمدة نجريج مسقط رأس محمد صلاح

معاناة صلاح مع المواصلات و"دخان" سائقي الميكروباصات

وعلى الرغم من مرور الأيام، مازالت معاناة السفر من "نجريج" وحتى القاهرة مستمرة، وهي التي عاشها محمد صلاح لسنوات عديدة، وهو ما يؤكده عمدة القرية والذي يسكن بالقرب من المدرسة التي تعلم فيها مهاجم ليفربول ويدعى، ماهر شتية، وقال: "ثلاثة ميكروباصات وفي بعض الأحيان أربعة للوصول إلى القاهرة، أي ما يقرب من 5 ساعات".

ووصفت الصحيفة وسائل المواصلات في مصر بأنها ليس لها وقت محدد، بسبب خطوط النقل التي تربط بين القرى الصغيرة والمدن الكبرى بالمحافظات، ولكنها رخيصة مقارنة ببعض الوسائل الأخرى، فهناك ميكروباصات تستوعب 3 ركاب وأخرى تستوعب 7 ركاب.

لذلك إذا واجه محمد صلاح زحام مرور في القاهرة خلال ساعات الذروة حيث كان يذهب لنادي المقاولون العرب في مدينة نصر، في طريق عودته إلى نجريج قد يفقد فرصة اللحاق بوسيلة المواصلات التالية، ويظل عالقًا لفترة بالظلام الداكن حتى تتوفر الوسيلة البديلة.

عليك أن تتخيل كيف يعاني محمد صلاح في ظل الزحام الشديد المكتظ، وليس لديك شيء سوى ما يشبه الميكروباص، ومجموعة من السائقين عادة ما يدخنون السجائر حتى يقاطعهم أحد الأشخاص من أجل النزول في مكان ما.

اقرأ أيضًا.. أسطورة ليفربول يكشف أسباب نجاح محمد صلاح

هناك مشكلة أخرى قد تواجهك عندما تذهب من نجريج إلى القاهرة، وهي أن السائقين لا يذهبون إلى العاصمة مباشرة إذا كنت الراكب الأول في الحافلة، ولكن عليك أن تنتظر ستة أشخاص آخرين يرغبون في السفر بالطريقة نفسها قبل الانطلاق.

تبدأ رحلة محمد صلاح إلى مدينة نصر عند مفترق طرق في بداية قريته الصغيرة، متوجهًا أولًا إلى مركز بسيون الأكبر قليلًا، وهي المدينة التي ولد فيها مدافع أستون فيلا، أحمد المحمدي، ثم يذهب إلى مدينة طنطا المكتظة بالناس ويكون هناك المزيد من الخيارات للسفر إلى القاهرة وسط الفوضى في ميدان رمسيس، قبل أن يستقل حافلة أخرى صغيرة للوصول إلى ملعب التدريب بنادي المقاولون العرب.

كانت هذه هي حياته لمدة عام، عندما كان يبلغ محمد صلاح من العمر 12 عامًا، كحد أدنى ثلاث مرات في الأسبوع والعودة في نفس اليوم، في بعض الأحيان كان يعود إلى المنزل بعد منتصف الليل ثم يسافر من جديد في صباح اليوم التالي، قد يفعل ذلك أحيانًا خمس مرات أسبوعيًا، وفقًا للمباريات التي يخوضها فريقه في تلك المرحلة، أحيانًا كان والده يرافقه في رحلاته وأحيانًا والدته.

وإذا كانت الحصص التدريبية تبدأ في مدينة نصر بتمام الساعة الرابعة والنصف مساء، هذا يعني أنه يجب عليه الرحيل من "نجريج" قبل فترة الظهيرة حتى في فصل الشتاء.

طريق السفر بين نجريج وحتى العاصمة القاهرة

وبدأ فريق العمل رحلته من "نجريج" بمساعدة السيدة من خلال إحدى الحافلات في شهر أغسطس الماضي، حيث كانت درجة الحرارة أعلى من 50 درجة في تلك الفترة، من أجل السفر إلى بسيون.

وانطلق السائق الذي كان يدخن السجائر في طريقه، وكان الطريق سيئًا للغاية وكان عمدة قرية "نجريج" قد حذرني مسبقًا من خلال رسالة عبر Whatsapp باللغة العربية وترجمتها: "عليك بالإمساك بأي شيء في الميكروباص، وإلا سوف تصطدم رأسك بالسقف بسبب سوء هذا الطريق".

أحد أعضاء فريق عمل الصحيفة يروي: "كان في نفس الحافلة، ثلاثة أولاد أكبر قليلًا من سن محمد صلاح عندما كان يسافر من وإلى القاهرة بعدما أنهوا يومهم الدراسي مبكرًا، ظلوا يضحكون ويتهامسون حتى وصلنا إلى كفر المنشية الذي وصلنا له بعد مرور نصف ساعة، بسبب سوء الطريق لوجود الحفر والمنخفضات، وهو ما جعلني أتساءل عن متانة الهيكل الخارجي للحافلة الصغيرة والتي كانت مزينة من الداخل بفراء أصفر وكذلك دمى دب وبطة مطاطية تتدلى من السقف".

فريق عمل مجلة ذا اتليتك في ميكروباص من نجريج وحتى طنطا

حاول السائق إقناع فريق العمل بتجاوز مدينة طنطا من خلال بعض الطرق المختصرة في مركز بسيون، لكننا قررنا أن نخوض نفس تجربة محمد صلاح بتفاصيلها الدقيقة.

انتظر فريق العمل بالصحيفة الأمريكية لمدة 15 دقيقة في أحد الحافلات التي كانت تشغل القرآن الكريم على الراديو وتبقى الأبواب مفتوحة مما يسمح للذباب بالدخول، وهناك محل يبيع عصير القصب الذي يساعد البعض على تحمل حرارة الجو وينعش الجسم.

ووصفت الفريق الحافلات بأنها لا تسع الأشخاص أصحاب الطول الفارع، لحجمها الصغير، وهو ما قد يصيب ساقك بالتخدير وصعوبة القيام من مكان جلوسك.

وصلنا إلى القاهرة، وتشعر بأجواء مغايرة عن ما عشتها في "نجريج"، بسبب زحام الطرق والفوضى التي تسيطر على ميدان رمسيس بسبب وسائل النقل الموجودة في كل مكان هناك والباعة الجائلين الذين يستغلون الطرق لبيع بضائعهم وهنا تدرك أنه لا يوجد أي نظام أو انضباط مروري.

اقرأ أيضًا.. جيجز بعد هدف محمد صلاح في مانشستر يونايتد: أثبت أنه من طينة الكبار

يقوم سائقو السيارات باستغلال أي مساحات شاغرة بجراءة شديدة من أجل توفير قوت يومهم، وهذه هي النتيجة الطبيعية للازدحام المروري في القاهرة، حالة الحافلات معدمة ويتبادل السائقون ولاعات السجائر أثناء طريقهم دون توقف.

وتابع عضو فريق عمل الصحيفة حديثه: "عندما تسأل شخصًا في الشارع على مكان ما وهذا ما حدث معنا في منطقة المعادي أكثر هدوءً، كنا نسأل عن السفارة البريطانية والطريق المؤدي لها، فهو ربما يقدم لك توجيهات خاطئة على الرغم من أن المكان على بعد أمتار قليلة".

"هنا نعرف كم المعاناة التي عانها محمد صلاح في القاهرة، إذ كان لا يملك النقود الكافية للذهاب إلى الأماكن التي يريد الوصول إليها وهو في هذا السن الصغير يحاول أن يبدأ مشواره في كرة القدم".

فريق عمل الصحيفة في ضيافة "ريعو"

وتواصل فريق العمل مع رئيس قطاع الناشئين السابق للتعليق على رحلة السفر التي كان يعاني فيها محمد صلاح، وقال رفعت رجب الشهير بـ "ريعو": "لا أعتقد أنه كان يسكن هنا في القاهرة قبل انضمامه رسميًا للنادي".

رفعت رجب الشهير بـ ريعو رئيس قطاع الناشئين بنادي المقاولون العرب السابق

ونجح "ريعو" فيما بعد أن يقنع إدارة المقاولون العرب بشراء مساكن بالقرب من ملعب التدريب، حتى يتمكن اللاعبون المغتربون من البقاء بجانب النادي من أجل التركيز مع الفريق بدلًا من شعورهم بالإرهاق الشديد من السفر الطويل.

واستضاف "ريعو" فريق عمل الصحيفة في منزله بمنطقة ألماظة، وتحدث في البداية عن مسيرته التي كانت في الأهلي والإسماعيلي، ونجاحه في الفوز ببطولة دوري أبطال إفريقيا عام 1969 على حساب الإنجلبير (مازيمبي حاليًا) ووصف رجب مشاعره حول هذا اللقب: "كان أفضل يوم في حياتي".

وتذكر "ريعو" مشاركته مع النادي الأهلي في مباراة ودية أمام توتنهام في أوائل الستينيات من القرن الماضي، وكان من ضمن نجوم الفريق الإنجليزي جيمي جريفز وديف ماكاي، وانتهت وقتها المباراة بفوز توتنهام 7-3، وبرر لاعب الإسماعيلي السابق النتيجة بأن اللاعبين لم يأخذوا المباراة بمحمل الجدية.

وظل في منصب رئيس قطاع الناشئين بنادي المقاولون العرب لمدة 3 عقود، قبل أن يرحل في صيف العام الماضي حيث قرر التقاعد بعدما أكمل عامه الثامن والسبعين، وكان محمد صلاح أحد هؤلاء النجوم الذين خرجوا من تحت قيادته خلال مسيرته في الفئات السنية الصغيرة.

وبدأ "ريعو" في الحديث عن بدايات صلاح: "كان يتميز بسرعة فائقة عندما شاهدته في طنطا، أعتقد أنه كان أسرع مما هو عليه الآن، وعندما يكون اللاعب متميزًا للغاية يكون من الصعب عليك معرفة نقاط ضعفه وما ينقصه لتطويره".

وتابع: "بالطبع، أي لاعب يبلغ من العمر 12 عامًا يحتاج إلى التطوير في نواحي كثيرة، ولكن كان من الواضح أن قدمه اليسرى قوية جدًا، يمكنه من خلالها تسديد الكرة بكل قوة ولذلك طلبت من إدارة المقاولون العرب التركيز عليه".

اقرأ أيضًا.. كلوب: محمد صلاح نجح في استغلال خبرته في التفوق على جيمس للتسجيل في مانشستر يونايتد

ماذا فعل "ريعو" من أجل محمد صلاح؟

كان محمد صلاح يلعب وقتها في نادي عثماثون التابع لنادي المقاولون العرب في طنطا، قبل الانتقال إلى القاهرة وتعديل عقده بواسطة "ريعو" وزيادة راتبه والبقاء في مساكن النادي، حتى يكمل تعليمه ويكون له نظام غذائي لمساعدته على النمو بشكل صحيح بالإضافة إلى المساعدة الطبية.

وأضاف "ريعو": "السفر كان يرهق صلاح كثيرًا، لكن أعتقد أنه تعلم منه الكثير، وجعله يفهم جيدًا أن تحقيق الأحلام لا يحدث إلا من خلال العمل الشاق، قد تكون لديك الموهبة ولكن الموهبة ليست سوى جزء صغير من رحلة النجاح، محمد كان مليئًا بالحماس وهذا ما تراه دائمًا من اللاعبين الذين يأتون من المحافظات الصغيرة مقارنة بمن يأتون من القاهرة".

وأشارت الصحيفة إلى أن تقرير "ريعو" عن محمد صلاح في عام 2006 كان جيدًا جدًا، حيث انضم إلى فريق تحت 14 عامًا في المقاولون العرب، ونجح في قيادته للفوز ببطولة القاهرة دون هزيمة حيث حقق الفوز في 16 مباراة من أصل 18 وتعادل في مباراتين.

وتحدث ريعو عن تألق صلاح في تقريره وكتب: "تطور مستواه بشكل ملحوظ بعد بقائه في القاهرة لأنه ركز بشكل أكبر على كرة القدم وأصبح لاعبًا واعدًا قادرًا على الوصول للمزيد في المستقبل".

صلاح ظهير أيسر!

كانت بدايات محمد صلاح في المقاولون العرب في مركز الظهير الأيسر، ولكنه غيّر مركزه بسبب وجود العديد من اللاعبين الآخرين في هذا المركز بالفريق الأول عند تصعيده وعلى رأسهم شريف علاء الذي انضم للزمالك فيما بعد عام 2015، وعلي فتحي الذي خاض تجربة احترافية صغيرة في ناسيونال ماديرا في نفس العام الذي انتقل فيه مهاجم ليفربول الحالي إلى بازل.

علي فتحي ظهير ايسر المقاولون العرب السابق

"مو" كتالوني

وتحدث فتحي، لاعب الزمالك الأسبق، عن علاقته بمحمد صلاح، قائلًا: "نعرف الكثير عن بعضنا البعض، بعدما شاركته غرفة النوم لمدة خمس سنوات تقريبًا في المقاولون العرب، وكانت هناك أمسيات كثيرة استمتعنا فيها مع لعبة فيفا الشهيرة بجهاز البلايستشن الذي قمنا بشرائه بجزء كبير من أجرنا في ذلك الوقت".

وتابع: "كنت أختار ريال مدريد ومو يختار برشلونة، ولكن الرهان بيننا لا يتوقف عند هذا الحد فقط، بل إن صلاح كان يساند برشلونة للفوز في جميع مباريات الكلاسيكو في فترة بيب جوارديولا وكان دائمًا ما يربح وأقوم بشراء العشاء على حسابي".

في تلك الفترة، انضم للمقاولون العرب من المحلة الكبرى لاعب بشكتاش الحالي والمعار من آرسنال، محمد النني، في عام 2008، واقترب كثيرًا من محمد صلاح نظرًا لأن علي فتحي كان يعود إلى منزله في حلوان كل يوم، وعلق على هذا الأمر: "يمكنني العودة للمنزل إذا أردت ذلك، لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة بالنسبة لهما، وهذا ما جعل هناك علاقة صداقة بينهما".

النني يتفوق على صلاح.. ولكن في البلايستيشن

وأضاف: "النني كان يجيد اللعب في ليالي البلايستيشن مقارنة بمحمد صلاح، وهذا ما دفع الأخير للجنون لأن النني كان يذكره دائمًا بأنه أفضل منه، لكن في النهاية، كان كل هذا في إطار المزاح بين الأصدقاء لأنك عندما تتعرف على مو فهو مضحك للغاية ولكن عند الدخول إلى أرض التدريب تجده شديد التركيز وهذا سبب ما وصل إليه الآن".

اقرأ أيضًا.. أول تعليق من محمد صلاح بعد فك عقدته أمام مانشستر يونايتد

وبالعودة إلى الكابتن "ريعو" وشقته في ألماظة، يرى لاعب الإسماعيلي الأسبق أن مستقبل محمد صلاح كان ليختلف كثيرًا إذا كان قد وقع للأهلي أو الزمالك، وقال: "كانت هناك توقعات كبيرة بشأنه في المقاولين العرب من أجل محاولة الفوز بالبطولات ولذلك استمر بالفريق".

ووضع علي فتحي سبب اختلاف محمد صلاح عن اللاعبين الآخرين الذين ظهروا معه في المقاولون العرب، وقال: "كان يركز على كيفية تطوير مستواه الفني ولياقته البدنية بعد كل تدريب، كان يذهب إلى الجيم الخاص بالنادي، ثم اشترك في أحد الصالات القريبة من منطقة السكن الخاصة بالمغتربين، وطلب من مدربه بعض التدريبات التي تمنحه الاتزان الذي يساعده في استخدام سرعته بالشكل الصحيح".

واعترف فتحي: "بعض اللاعبين المصريين لا يحافظون على لياقتهم البدنية وبالتالي يعانون من زيادة في الوزن، لكن محمد صلاح تأقلم على الوضع وكان يأخذ التدريبات على محمل الجد أكثر من أي لاعب آخر قابلته طوال مسيرتي، لأنه أدرك أن هذا هو الطريق الوحيد للوصول إلى أوروبا والنجاح هناك".

ولم تتوقف الصحيفة عند ريعو وعلي فتحي بل ذهبت لتتحدث عن محمد صلاح مع لاعب الأهلي السابق ومدرب المقاولون العرب الأسبق، محمد عامر، ليكشف سبب منح مهاجم ليفربول الفرصة مع الفريق الأول.

محمد عامر مدرب المقاولون العرب الاسبق

صلاح فائق السرعة "ليونيل ميسي" المستقبل

وقال: "أحببت مغامرته وكيف بدأ مشواره حتى وصل إلى المقاولون العرب، كانت لديه سرعة فائقة، لكن الكثير من اللاعبين لديهم تلك الميزة في هذا السن الصغير ولكن هل يعرفون كيفية استخدامها؟!".

وأضاف: "عندما يكون لديك لاعب شاب، عليك أن تعرف بالضبط الوقت المناسب لتصعيده إلى الفريق الأول، عليك أن تكون واثقًا كمدرب بأنه لديه فرصة جيدة في المشاركة بمباراة ما، لذلك قررت الدفع بمحمد صلاح كبديل أمام فريق لم يكن قويًا بالدرجة الكافية".

وتابع: "عندما يتعب المدافعون، تفتح المساحات في خطوط الدفاع إلى جانب انخفاض درجات التركيز، وهو ما كان يستغله محمد صلاح وأثار إعجابي من خلاله".

وواصل تصريحاته: "محمد صلاح كان لديه عقلية الفوز، الأمر الذي تدربت عليه مع النادي الأهلي طوال مسيرتي كلاعب، لكن الشيء الأهم هو أنني كنت أعرف أنه يمكنني الوثوق به، لقد فعل دائمًا ما طلبته منه، وهذا من الصعب أن تجده في لاعبين بمثل هذا السن الصغير، ذاكرته كانت جيدة جدًا".

واستمر: "شارك محمد صلاح في مباراتي حرس الحدود والزمالك، وقدم مستويات رائعة أمامهما، وهذا ما جعلني أتوقع في أحد اللقاءات الصحفية بأنه خلال عامين سيصبح ليونيل ميسي في الدوري المصري".

مخلص لأصدقائه.. وجنش خير دليل

وبالعودة مرة أخرى إلى علي فتحي للحديث عن شخصية محمد صلاح وهل تغيرت بعد الاحتراف الخارجي، قال: "عدد أصدقائه المقربين محدود للغاية، لكنه مخلص للأصدقاء الذين عرفهم على مدار حياته".

وتابع: "هذا ما أظهره مع محمود جنش حارس الزمالك بعدما تعرض لإصابة خطيرة بقطع في وتر أكيليس في كأس أمم إفريقيا الماضية، ورتب له موعدًا مع الجهاز الطبي في ليفربول، وهذا ساعده على العودة بشكل أسرع مما توقعه أي شخص في مصر".

وانتقل الفريق إلى أحد نجوم فريق المقاولون العرب وقت تصعيد محمد صلاح، محمد سمارة، الذي تحدث عن علاقته معه واللحظات التي جمعته به، وقال: "كانت هناك مباراة ضد الداخلية وفزنا وقتها بنتيجة 4-0، سجل مو وقتها ثلاثة أهداف (هاتريك) ولكن مع كل هدف كان يركض نحوي للاحتفال معي لأنني كنت على مقاعد البدلاء وأقوم بعمليات الإحماء".

محمد سمارة لاعب الاهلي والمقاولون العرب السابق

وأضاف: "محمد صلاح لم يكن خائفًا بشأن تواجده مع الفريق الأول واللاعبين الكبار المتواجدين به، وكان دائمًا يتعلم من الجميع".

وتابع: "في يوم عيد ميلادي التاسع والعشرين، وجدت هدية في انتظاري وسألت من الأمن من ترك لي هذا فأخبروني أنها من محمد صلاح، كانت عبارة عن ساعة وعطر جديد، وكان هذا تصرف لطيفًا جدًا منه، ومازالت أحتفظ بالساعة حتى الآن".

وعاد محمد عامر للحديث عن تطور مستوى محمد صلاح في موسم 2010/2011: "لقد تحسن بشكل كبير وأصبحت لديه خبرة وثقة كبيرتين، يتخذ القرارات في الوقت المناسب وهذه هي المشاكل التي قد تواجه بعض اللاعبين الصغار لأنهم يعتقدون بأن لديهم القدرة على التغلب على الجميع".

وواصل تصريحاته: "كانت هناك توقفات كثيرة في هذا الوقت بسبب الثورة وألغيت بطولة الدوري بعد مباراة الأهلي والمصري في بورسعيد، وهو ما أثر على معدل تطور محمد صلاح".

اقرأ أيضًا.. رقم مميز لمحمد صلاح بعد فوز ليفربول على مانشستر يونايتد

الزمالك يرفضه وعالم الاحتراف يرحب به

ورحل محمد عامر وقتها عن تدريب المقاولون العرب بعدها بعدة أشهر، وانتقل محمد صلاح إلى سويسرا للتعاقد مع بازل، بعد أن فشل انتقاله إلى الزمالك بسبب رفض رئيس الأخير، ممدوح عباس، التعاقد معه لأنه في رأيه لم يكن جيدًا بما فيه الكفاية لذلك على الرغم من أنه نجح في تسجيل هدف مميز أمام الأهلي.

وأفادت الصحيفة أن هناك الكثير من الأسباب التي أدت إلى عدم انتقاله إلى أي ناد آخر في مصر، منها عدم انتظام المسابقة بعد الثورة، وكانت هناك تحفظات كثيرة من الأهلي والزمالك لاستثمار أموالهما، في ظل عدم استئناف البطولة بعد مجزرة بورسعيد.

ولكن تألق محمد صلاح في كأس العالم للشباب في كولومبيا في صيف 2011، جعل كلًا من محمد سمارة وعلي فتحي يتوقعان من خلال حديثهما للصحيفة بانتقاله إلى أوروبا للاحتراف، لأنه كان هناك العديد من الوكلاء يتابعون البطولة والذين وعدوه بعقد في الدوري الألماني، لكن محمد عامر أقنعه بتوقيع عقد جديد رغم الإغراءات.

وبعد نهاية رحلة فريق عمل الصحيفة في القاهرة، استعدوا للعودة إلى طنطا مرة أخرى، انطلق السائق بسرعة غير عادية متجاهل أي شيء يدور من حوله، ويقوم كبار السن بتحصيل الأجرة من الركاب وتسليمها للسائق في نهاية الرحلة بقيمة 15 جنيهًا مصريًا.

محمد صلاح مهاجم ليفربول ومنتخب مصر على جدارية في طنطا

ماذا فعل محمد صلاح لبلدته "نجريج"؟

وصل فريق العمل إلى طنطا، وهناك وجدوا جدارًا كبيرًا مرسومًا عليه محمد صلاح، وروى أحدهم قائلًا: "يمكنك أن ترى بعض قطع الأراضي الزراعية المليئة بالنخيل وزهور عباد الشمس التي تتمايل في النسيم، هناك الجاموس الذي يتجول في الظل، وهو ما يجعلك تعتقد أن القرى في مصر تتشابه كثيرًا بين بعضها البعض، وبالمقارنة مع القاهرة، فأول شيء تلاحظه في نجريج هو نقاء الجو بسبب عدد سكانها الذي يبلغ فقط 15000 نسمة وهي قرية تقوم بتصدير الياسمين إلى فرنسا وروسيا وكذلك البصل إلى بعض البلدان في الشرق الأوسط ومع ذلك لا يوجد به مكتب بريد".

وأضاف: "يتبرع محمد صلاح كل شهر بحوالي 3000 جنيه إسترليني من أجل الاهتمام بالمنشآت في نجريج وهو ما ساعدهم في التطور كثيرًا منذ انضمامه إلى ليفربول قبل 3 سنوات، وساعد هذا في إنشاء وحدات طبية وشراء سيارات إسعاف جديدة بالإضافة إلى مركز ديني إسلامي تكلف وهي أشياء كلفت وحدها أكثر من مليون جنيه إسترليني".

وعاد فريق العمل للحديث عن محمد صلاح مع عمدة "نجريج"، ماهر شتية، وقال: "كان ناديه الأول هو الاتحاد في بسيون، على الرغم من أنه تدرب هناك فقط ولم يلعب مطلقًا في أي مسابقة مع أحد فرق الشباب".

ماهر شتية عمدة قرية نجريج امام مدرسة محمد صلاح في الطفولة

وتابع: "كان هناك شاب يدعى شريف أكبر من محمد صلاح بسنتين، وكان الكثير من الكشافين في المنطقة قد سمعوا عنه، أحدهم كان يدعى رضا الملاح، ورتب مباراة ودية، وعلى الرغم من سن صلاح الصغير لكن طُلب منه اللعب، لتعويض النقص ونال إعجاب الملاح عكس ما كان رأيه عن شريف".

وأضاف: "ذهب الملاح باتجاه محمد صلاح، وأخبره بأنه يرغب في اصطحابه إلى نادي طنطا حتى يتمكن المدربون هناك من رؤيته وكانت هناك موافقة من جانب صلاح إذا وافق والده على ذلك".

وواصل تصريحاته: "لكن بعدما سافر محمد صلاح إلى طنطا، عاد خائب الآمال لأنهم أبلغوه بأنهم سيستمرون في مراقبته وهو ما أغضب الملاح قليلًا لأنه كان يعتقد بأنه اكتشف موهبة كبيرة لذلك قرر نقله إلى نادي عثماثون منافسيهم في نفس المدينة".

احد الملاعب التي بدأ فيها محمد صلاح مشواره الكروي

واستمر: "ذهب محمد صلاح إلى عثماثون، وانتظر دوره حتى يدخل أرض الملعب لإظهار موهبته، ونجح في التحكم بالكرة باستخدام صدره، كان المدرب وقتها يدعى فرج الصعيدي، وأخبر النادي بأن عليهم مراقبة أداء هذا الفتى بدقة شديدة".

وأتم: "كان طموحًا للغاية ومحبطًا بعض الشيء وعاد إلى نجريج مرة أخرى، وسأل نفسه عما إذا كانت كل تلك التضحيات مضيعة للوقت، ولكن هذا هو المكان الذي تعلم فيه الصبر".